الأربعاء، 22 أغسطس 2012

كم تمنيتُ هذا القلبُ قلبي‏!


ذلك القلب الراحل الذي ما إن طرقت بابه وجدتُ الطيبة مسكنه، والإخلاص زاده، 
والوفاء جوده.. وجدتُه مثل النهر في عطائه يعطي ولا ينتظر أن يأخذ إلا إذا وجد من حقه أن يعطي في بعض الأشياء التي تكون من حقوقه، عندما سلبت تجارتي كان يواسيني كثيرًا، ويردد عليَّ أن الدنيا كل ما فيها ذاهب موقنًا بذلك.. وجدتُ أن الدنيا لا تهمه بشيء؛ لأن قلبه متعلق برب العباد.. وجدتُه متسامحًا راضيًا يسعى للأخلاق الفاضلة التي تكسبه بمن حوله.. وجدتُه لا ينام وفي قلبه ذرة من الحقد أو الحسد والضغينة والكره الذي يفسده.. وجدتُه قلبًا لا يحمل إلا الحب بكل ما يحتويه.. وجدتُه قلبًا نبضاته التسبيح، وزفراته التهليل، وشهيقه الدعاء في كل حين.. وجدتُه قلبًا يصاحبك في حلك وترحالك، ويخاف عليك من غدر الزمن.. وجدتُه قلبًا يرشدك إلى الخير، ويعينك على الكروب.. وجدتُه قلبًا يحزن إذا أصابك أي مكروه، ولا يتخلى عنك عند المحن.. وجدتُه صادقًا في عباراته، مثل نسمة عطر إذا هبت كستك حلة من المعاني الجليلة، وتركت لك بصمة من قلب محب، لا يعرف الغدر ولا الخيانة؛ لأن حجمه أكبر من أن يصل إلى ذلك المستوى، مبتسمًا إذا شاهدك سعيدًا في حياتك، يخفق بالحنان مثل الينبوع الدافق في جريانه، يتحمل أذى الغير، ويتقبل منهم ما يضره ربما لا يرضى بذلك، ولكنه ذو صدر رحب، يحب الصدقة كثيرًا على الفقراء، وعلى الحمام أتذكر أني اشتري له كيس حبوب غذاء للحمام، وكان كل يوم يأخذ علبة حليب نيدو الوسط ويقوم بتعبئتها ويذهب بها إلى تجمع الحمام ليطعمه.. رحمك الله يا عبدالرحمن.

وجدتُه قلبًا مفتوحًا مُنصت في الأفراح ويشاطرنا الأحزان، وعندما يستمع إليك يستمع بعقله وقلبه ..إنه قلب لا يرضى الذل ولا المهانة، ويأبى الظلم وعنده كرامة، ومع ذلك فهو طاهر ونقي السريرة يعفو ويصفح؛ لأن الدين هو الماء الذي يروي به ظمأه، والرسول، عليه السلام، قدوته.. قلب عندما يحزن يصبر على ما أصابه، ويحمد الله دائمًا حتى عندما تخرج من الثانوية كانت نسبته جيد؛ لكن لم يبالي فيها.. قلب حينما يبذل ويجتهد في سبيل أشياء لا تقدر بثمن لا يرجو إلا القبول من رب العباد؛ لأن نيته خالصة لوجهه.. قلب يحترق إذا رأى ما يغضب الله، وغيرته على دينه غيرة عظيمة.. قلب بعيد كل البعد عن الأنانية التي تخلفها الندامة.. قلب يدعو للجميع بالخير، وإذا لاقى منهم الأذى لا يدعو عليهم.. قلب عندما يُصدم بمن حوله يتصرف بعقل وحكمة.. قلب عندما يجرح ولا يبرئ جرحه تجده يحاول النسيان أو بالأحرى قد نسى.. ذلك القلب الذي حينما تسبح فيه تكتشف الشيء الكثير فيه.. تجد الياقوت ما يحمله.. والمرجان ما يحيط به.. قلب كلما غُصت في أعماقه سُرت عينك، وابتهج قلبك، وكلما اكتشفت وغصت فيه أكثر حاولت عدم الخروج منه، وعدم مفارقته.. فكم وكم تمنيت أن يكون هذا القلب قلبي!..

أتعلمون قلب من هذا؟!.. إنه قلب حبيبي ابني عبدالرحمن، رحمه الله، إن دموع عيني سألت لذكره؛ لذا أرجوكم لا تلوموني لكثرة طلب الدعاء له.. كان، رحمه الله، يحبني ينصحني، يخاف عليَّ، يبكي إذا بكيت، يفرح إذا فرحت، اللهم يرحمه، عندما كنتُ أُغسله فتح عينيه، ونظر إليَّ؛ حتى إن المغسل لاحظ ذلك، فقال: “أذكر الله”، عندها تماسكت نفسي متألمًا في قلبي.. سبحان الله دفنته بعد صلاة الفجر كان القبر يشع نورًا.. الحمد لله صُلي عليه في المسجد الحرام، لقد كان محافظًا على صلاته، محبًا للجميع، ومحبوبًا لدى الجميع.. كتبتُ هذه الكلمات بعد وفاته، رحمه الله، بثلاثة أسابيع كان قلبي القلم ودمعي الحبر..

للمعلومية.. ستجدون في الكلمات “نـاعـام” ليس خطأ مطبعي إنما، رحمه الله، عندما أنادي عليه كان، رحمه الله، يمدها تقديرًا واحترامًا حتى اليوم لم ولن أنساها:
عبد الرحمن مــحــيـاك وصــوتــك لــم ولــن  يــهـجــرانـي
رحــلـت يــا ثــمــرة فــؤادي لـم ولـن تـرحـل عـن وجـدانـي
إن نــمــت أنـــت حــلـمــي حـتـى عــنـدمـا أفـــتــح عــيــنـي
كـنـت سـاكـنًا في قـلــبي والآن أصـبـحـتُ جـرحي وأنـيــنـي
إن نــظــرت فـي أي اتــجـاه مــوجــود حـتـى فـي سـرحـانـي
في كـل مـكـان لـم تـتـغـيـب عــن نـاظـري.. وهـذا يـسـعــدني
أنـت قـلـبي و جـوارحـي وإحـسـاسـي وشـعـوري وحـنـينـي..
بالـمـسجـد كـنـت دومًا إما أمـامي أو خـلفـي.. أو عن يـمـيـنـي
كـيـف لـي أن أنــسـى ردك نـاعــام بــارًا لـكـي تـرضـيـنـي
آه لو كنت هاجرني  بسفـر لبـكـيـت لـكنـك لـلـموت سابـقـني
موقـنـًا أنك عـنـد كريم رحيم غـفور رؤف.. هـذا ما يواســيني
صلى عليك بالحرم ودعوات المصلين أن يرحمك الرحماني
أينعت بشائر الخير بخفة وسرعـت جنازتك للقـاء الـحـنـانـي
جاء الـمـعـزون كـثر أقـرباء وأصدقاء منهم القاصي والداني
حبيبي هنئيًا لك المقام عند العزيز الـودود الـجـواد الـمـنـانـي
اللهم أكرمه أن يـكـون قـبـره روضـه مـن ريـاض الجـنـانـي
اللهـم وسـع لـه نـزلـه ومـدخلـه وطـيـبـه بالـعـود والريـحاني
اللهم تـعـلـم بـحـبه لـك وحـبه لـي وحـبي له فجازه بالغفراني
كـنـت حـبـي وفـؤادي وعـمـري والـيـوم أنـت فـي الـنسـياني
فـي دعـواتـي لـن أنـسـاك فـالـدعـاء لـلوالـديـن وأنت الـثاني
تــأمـلـتُ فـي الآمــال فـوجـدتـها تـحـمـلـنـا لـلـفــنـاء الـفـاني
تـمـنـيـتُ أن تـسـمـعـنـي أن رحـيلك سوف يطوي كل أحزاني
ابني عبدالرحمن، رحمه الله، 19 سنة.. توفي أثر حادث أليم 26/01/1431هـ
 اللهم ثبت قلوبنا على حب الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ننسى جميعًا الدعاء إلى أمواتنا بالرحمة والمغفرة والجنة.. أرجو من الجميع أن يسامحوني على موضوع يخصني وعلى الاطالة، لا تنسوني ووالدى وابني عبدالرحمن رحمهم الله من دعائكم..
الكاتب / أ فؤاد تنكر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني مروركم وتعليقاتكم الرائعه