السبت، 13 ديسمبر 2014

عذرا بالخطا

بالخطأ نتعلم الأشياء فقد قيل من لم يخطئ لا يتعلم، وبالخطأ يعرف الصواب ويتحقق النجاح ، إلا أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين .

في مجتمعنا تكثر الأخطاء وتتكرر عشرات المرات وبنفس الأسلوب وكأنه لا صواب لذلك الخطأ ولا ردم لذلك الجحر فنلدغ منه مرة تلو مرة تلو مرة .

ينتقل إنسان بسبب خطأ طبي إلى الوفاة أو العجز ويسمى خطأ لا جريمة فيقال عذرا بالخطأ ، يقع حادث تزهق فيه كثير من الأرواح ويعتذر المتسبب في تلك الجريمة عن الخطأ ، يدمر معلم مستقبل طفل بسلوك لا تربوي ونقبل قوله عذرا بالخطأ .

يضيع مسؤول أوراق عميل ويهدر ماله وجهده ويؤجل حصاده كل ذلك بالخطأ ونقبل منه مقولة عذرا بالخطأ .

جميل أن يكون لدينا من يعتذر عن خطأه وجميل أن نتسامح فنقبل العذر ونقدر الخطأ . إلا أن من الجميل ألا نسمي الجريمة خطأً ولا نقبل للفساد عذرا ولا نسمح للمتهور أسفاً .

وعلينا ألا نأذن بتكرر الخطأ ؛ فذلك قلة إيمان وضعف قانون وانحطاط خلق وحرية عبث. وما قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم  : 

(( كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابون )) إلا دليل على وجود الخطأ ووجوب التوبة منه ، ومن شروط التوبة الصادقة بعد الندم على ما فات عدم العودة للذنب مرة أخرى .

وفي الإسلام عقاب لمن أجرم أو قتل بالخطأ وإن كان أهون ممن تعمد ، لذا فإن قبول العذر ممن أخطأ هو قبول معنوي إلا أن وجود العقوبة أمر حتمي تردعه من تكرار خطأه .

لذلك وجب علينا ألا نتسامح مع من تهاون وقصر أو تهور واستهتر وظلم وتجبر فأزهق روحا أو دمر مستقبلا أو وفوت فرصة أو حطم نفسا أو أهدر مالا  حتى لو كان ذلك على سبيل الخطأ .

فمن الطبيعي أن يعلل المجرم سلوكه بالخطأ وتصرفه بالغلط  ، ومن الطبيعي أيضا أن يكون لدينا قانون يطبق بحيادية على كل مخطئ ولا يفرق بين خطأ وخطأ ولا بين مخطئ وآخر .

ودعواتنا للتسامح يجب ألا تكون هدية لكل عابث مستهتر ليتلاعب بالأنفس والثروات كيف يشاء ظناُ منه أن كل مصيبة يكفيها كلمة ( عذرا بالخطا ) .

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

إشكالية فلسفة المعرفة عند نيتشة



يرى نيتشة بإن الارادة الكامنة خلف المعرفة هي التي تفرض المعاني على الأشياء والتي تسخر العالم لمصالحها وليست المعرفة ذاتها
فليس طلب المعرفة هو الباعث عليها وإنما الباعث عليها هي المصلحة المختبئة خلف هذه الأنساق المعرفية
وهذا بعكس الفلاسفة الأخرون فقد قال ارسطو أستاذ الفلسفة الأول :-
ان الفلسفة هي معرفة الحكمة
أما نيتشه فقد قال إن الفلسفة هي فن الحياة والتعايش ومع جمالياتها أي أن الفلسفة الحقيقية هي باعثها أي الباعث لمعرفتها وليس ذات المعرفة
وقد أغرق في حب ذاته وعبادة نرجسيته حتى قال عن نفسه :
انا لست بشرا وإنما انا حزمة متفجرات بالأنساق المعرفية وبواعثها ، لعلمه بأن المعرفة ماهي إلا ذلك المصطلح الذي يخفي وراءه صراع إرادات الأقوياء القابضة على المصالح في العالم وعلى مر التاريخ البشري ولذلك فهو يرى :-
أن تاريخ الفلسفة ماهو إلا تاريخ عداوة للحياة لأن الفيلسوف يأخذ الإنسان إلى المفاهيم النظرية المخدرة والمصطلحات المجردة وليس إلى جمالية الحياة ومتعها ، فالفيلسوف يأخذ الإنسان إلى ملهاة المصطلحات التجريدية ويبعده عن التعايش مع الحياة وجمالياتها وهكذا تضيع الحياة بين الأنساق الفلسفية النظرية والقوالب المنطقية الجامدة فيفقد الإنسان معناه الجمالي تحت وطأة هذه الأنساق الفلسفية المجردة
ولذلك وجب أن نوجه البحث
من البحث عن الحقيقة
إلى البحث عن إرادة الحقيقة
أي لماذا نبحث عن الحقيقة ؟
لقد أسس نيتشه فلسفته النقدية على مذهب الإرتياب والشك في نظرية المعرفة فبدلا من أن ينقد العقل ومنتجاته فقد تبنى فلسفة نقد القوة التي تستعمل العقل لصالحها ، بمعنى أن الثقافات والمعرفة ماهي إلا أعراض لإرادات أهل القوة التي تستعمل العقل لتحقيق أغراضها ولذلك فإن تاريخ الفلسفات والثقافات هو تاريخ صراع القوى على مصالحها
إن مفتاح الوجود عنده هو الإرادة والفعل ، وليس العقل المجرد
ولذلك فإن النقد السليم يتوجه إلى الذات أي إلى ذات الإنسان لا إلى الآخر .
 يقول نيتشه :-
يجب عليك أن تحترق من الداخل حتى تصبح رمادا وحتى تتجدد كالأفعى التي تجدد جلدها وإن لم تفعل ذلك فإنك ستموت لا موتا بدنيا وإنما موت الحضور في العالم والمشاركة في فعله الحضاري
ومن ثم فإن إيقاظ الوعي للنهوض بالأمة يتطلب ثورة هائلة على الإرادات الداخلية التي تميل إلى العدمية والدعة وليس لغيرها
إن تثوير الإرادات واحتراقها الداخلي يقضي على مفهوم العدمية الداخلية ويفجر كوامنها لكي تقود الإنسانية عامة إلى عالم التحضر الحقيقي
فالإنسان لا يتحرك بالعقل فقط ولا بالمنظومات المنطقية ولا بالمعطيات الرياضية
وإنما يتحرك بالمنظومات الشاعرية الروحية مع ما ذكرته سابقا
إن حدود العلم حدود ضيقة لا تغطي مطالب الإنسانية كلها بكل أحلامها وخيالاتها الشاعرية وإنما يتوقف دوره عند تحقيق إحدى هاتينن القضيتين :-
إما صدقا نظريا
أو قيمة منطقية
وهاتان القضيتان لا تكفيان لأعطائنا نماذج بشرية إبداعية متباينة
وإنما تعطينا نماذج متماثلة تقليدية مثلها مثل النظرية الإجتماعية الفلسفية لأنها تدعو لمجتمع متماثل غير متباين وفي هذا تعطيل لطاقاته المختلفة والمتفاوتة
قال نيتشه :-
انا لا ابحث عن جثث أجرجرهم حيث أشاء
وإنما أبحث عن إنسان يتبع ذاته الإبداعية ويلبي مطالبها العليا وآمالها البعيدة
ومن ثم فإن الإرادة الفردية هي المفتاح الحقيقي للقضاء على مشاعر العدم والإرتكاس في حمأة الدعة والخمول
ومن ثم الإنتقال إلى مشاعر الإستقواء والتجديد .
ومن ثم نخلص إلى هذه النتيجة البسيطة :-
{الغرض من المعرفة ليس الحصول عليها كمعرفة مجردة وإنما إخضاعها لمصالح الأقوياء}
ملاحظة مهمة جدا

إن من المعلوم أن هذا الفيلسوف [نيتشة]
هو فيلسوف ألماني يميل في دراساته الفلسفية إلى الإبتعاد عن الدين والقيم وهذا لا يعنينا إلا إن وجدنا أن في كلامه ما يتعارض مع أصل من أصول ديننا الحنيف لكنه هنا لم يتعرض للدين بأي شكل من الأشكال
وعند ذلك فما علينا إلا قراءة فلسفته في موضوع المعرفة من حيث الإنتقال بها من غرض الدراسة التجريدية المعلقة بمصطلحات مثالية يستحيل إسقاطها على الواقع إلى غرض البحث عن الدافع لذلك البحث ، وهذه نقطة جوهرية ودقيقة لأنها أسفرت عن ذلك الوجه المختبئ وراء هذه المطالب وأخرجتنا من الإستغراق في عالم المجردات إلى عالم الغايات من طرح تلك المجردات
فلونظرنا لمصطلح فلسفةالديموقراطية
لوجدنا بأنه مصطلح جماهيري مثالي مريح ؛ لكنها في النهاية تتجول في أروقة النخب ؛ فهي لا تتجاوز مفهوم تدوير المصالح بين نفس النخب ونفس الوجوه أما الشعوب فهي غارقة في مناقشة الديموقراطية كمصطلح تجريدي فقط وحلم لم يتحقق بعد ولن يتحقق
أبدا
لننظر للعراق مثلا
فمنذ أن سقطت بغداد لصالح الإحتلال الأمريكي إلى يومنا هذا والحكم في عملية تدويرية لنفس الفريق المرافق للإحتلال فماهم إلا أدوات لأصحاب الإرادات القوية في العالم ، والشعب العراقي في عالم آخر ، فهو يقرأ الديموقراطية ويسمع بها في الإعلام ويعيش جنتها كمفردة وحلم بعيد عن الواقع ؛ بل إن حاله أسوأ من ذي قبل ، عدا الفريق المتنفذ .
لقد أحببت إيراد العراق كمثل بين أظهرنا لكي نتبين خديعة المصطلحات ومرارة الواقع .
إني أعلم أنني قدمت مقالة دسمة
وخالية عن اللمحات الفنية والأدبية
لغرض التنويع والتنوير والتحذير من خديعة المصطلحات الماكرة 
وزيف أصحاب الإردات القوية المتصارعة
فعذرا منكم سيداتي وسادتي الأعزاء
وأعدكم بمقال يرفرف في سماء البيان العذب إن شاء الله تعالى
نزيف قلم من وريد واقع أليم ...

الاثنين، 8 ديسمبر 2014

وليمة على موائد الفراق


هناك نقتات على الألم ، ونشرب من ينابيع المر والعلقم ، فيضمر الورد على بوابة الجراح ، وتذبل الإبتسامة على شفاه الألم ، ويحترق النبض في شرايين الفراق ، ويختنق الوله ببرود اللقاء ، وغياب الإهتمام وتشحب النسمة على خد الغياب
وتتمردنسائم المساء على المكان لتذهب إلى هناك ، فتلتقط رائحة العطر الماضي وتأتي به فواحا يعطر الحاضر المختنق ، لكن الأنفاس غائبة ، والمشاعر منعدمة
فهوعطر بلا إحساس , وشذى بلا مشاعر ، ورائحة بلا أثر
إن مجرد استدعاء صور كانت محبوسة في براويز الزمن البعيد هي لحظة تداهم بلا استئذان وتحضر بلا إعداد فتنتهب اللحظة الحاضرة وتتمازج معها حتى تُغٓيّبٓ ملامح المكان والزمان وتتماهى مع المشاعر والأحاسيس وتستوطن الوجدان وتعتقل الإحساس
جميلة هي الحياة بكل تلونها وتناقضاتها ، وبكل حلاوتها ومرارتها ، إنها لوحة جميلة بمجملها ، فيها كافة الألوان رغم أنها لم تكتمل ، تسير فيها الألوان في إنسجام محير ومرافقة غريبة جدا ، تغرد العصافير فيها مع عواء الذئاب ، ويبتسم فيها الفرح ، ويعبس فيها الترح تزهو فيها ألوان اللقاء ، وتنطفئ ألوان الفراق .
وصمت المكان ينطق بأحاديث الساكنين ، وذرات رمله ترسم خطى العابرين ، وحفيف شجره صدى للأصوات الضائعة في هباءات أثيره وشذى نسيمه رجع لعبير الغائبين وعطرالراحلين
و إستنطاق الطريق يتطلب ملكة خاصة وحاسة نادرة حتى تكشف عن أسرار خطى العابرين وتسفر عن وجه مآلات تلك الخطى ومآبات أصحابها
وعندما يسافر الخيال إلى السماء الملبدة بالغيوم فإن ذلك يعني أنه يبحث عن غمامة دافئة لتكون ملاذا لتعبه ومدفنا لألمه ومهربا من حالة واقعه الكئيب
إن إستكناه الحياة أمر مستحيل ، ومطلب صعب المنال وكشف أسرارها دونه خرط القتاد لكننا نساكنها على حذر!
الأنّاتُ الصامتة مراثي مؤلمة على عبق الماض الجميل الذي ابتلعه الواقع القبيح
عندما يلتفت الخيال إلى الورى فإنه يذهب لتلك المشاعرالتي غابت عن عين الوجدان الحاضر فيلتقطها من تلك الفضاءات الغائبة حسا والحاضرة إحساسا ثم يعود بها إلى الوجدان الحاضر الذي سرعان ما ينفعل مع نبضها ويتماهى مع مطالبها رغم بعد المسافات النفسية والمكانية .
عندما ينكسر القلب فإنه لا ينجبر وإن انجبر فإنه يعيش مشوها تتحطم بداخله الصور الجمالية وتضيع في في ثناياه المهشمة كل المشاعر الراقية فلنتعامل مع القلوب بأناقة لأنه مخلوق أنيق ولنملأه بالجمال حتى يبقى جميلا ......
هفهفات الحروف على جدائل المساء ..