وسط أجواء استمرار مسلسل العنف ضد الأبناء ؛
فبكل صراحة لم يلفت نظري كثيراً مشهد وفاة الطفلة ذات الخمس سنوات ؛ لا
لكونه أمر طبيعي ؛ إنما لأنه وبكل بساطة ليس الأول في حلقات هذا المسلسل ,
ولن يكون الأخير والأبشع ! ومع ذلك قد تحمل لنا الأيام - تحقيقاً لا
تعليقاً - ما هو أدهى وأمر ؛ لكن ما لفت نظري وجعلني أتوقف كثيراً هو ما
تناقلته الصحف عن الحكم الصادر من محكمة إيرلندية تجاه سعودي بالسجن ثلاث
سنوات مع التوقع بترحيله للسعودية , ومنعه من دخول أراضيها مرة أخرى . في
توقعي أن من لم يسمع بالخبر سيتصور أنه قتل ابنه , أو أحرقه بالنار , أو جز
رأسه وألقى به في حاوية , لكن المذهل أنه لم يحصل شيء من هذا إنما الجرم
الذي حصل أن صاحبنا قد هز ابنه الرضيع بعنف , أتمنى أن تستوعبوا الحكم ,
وسبب الحكم لأنه لا يصدق ؛ وحق لنا ألا نصدق وواقعنا يصدمنا بين فينة ,
وأخرى بحوادث لا يُزيل ذهولها إلا حوادث مثلها , أو أشد شناعة منها , ومع
ذلك لم نسمع أي حكم , أو عقوبة إنما تتكفل الأيام بمعالجة ألم الفاجعة ,
وطمس معالم الحقيقة بأكسير النسيان , والتجاهل الذي ركنا إليه كثيراً , ولم
تقض مضاجعنا كل هذه الحوادث ,
والصيحات التي لا تجد لها سامعاً .
أعرف أن حادثة الطفلة قد فتحت مجالاً كبيراً لتصفية الحسابات , وقد تكون
فرصة العمر للهمز واللمز ؛ لكن هل هناك تحرك جاد من أجل الطفولة ؛ والطفولة
فقط , لإيجاد أنظمة تمنع تكرار مثل هذه الحادثة , وهذا هو الأهم , أما
أن نستمر في لوم الجلاد , والبكاء على الضحية كالعادة , وهو الأسلوب الذي
أثبتت الحوادث أنه لا يقدم للأطفال أي خدمة فلا يمكن أن يعيد من كان منهم
مفقوداً ,
ولا يؤمن الحماية لمن كان معذبا موجوداً..
ووسط هذه الأجواء المأساوية والدماء الطاهرة الزكية
التي تراق ها هنا وهناك هل سألنا
أنفسنا عن الشرارة الأولى لمثل هذه الحوادث ؟
وهل سألنا أنفسنا من هو الذي سلم الضحية للجلاد , ونام قرير العين ؟
وهل القاتل هو الوحيد الذي يجب أن يحاسب في هذه القضية ؟ أم أن هناك أطراف
أخرى لا بد أن تحاسب مهما كانت , حتى لا تكون حياة الأطفال قضية ثانوية ,
ومعاملة يُنتهى منها ليُذهبَ لغيرها .
حقيقة ما يمارس تجاه الأطفال , والطفولة أمر يندى له جبين الحس الإنساني ؛
فكيف يحصل هذا ويتكرر في مشاهد يتفنن الجلاد في تنويعها , وتعاني الضحية من
قسوتها ويكتفي المجتمع والمسؤول بدور المشاهد , أو المتباكي بدون دموع
والمتوجع بدون ألم ...
ومع الأسف أن مثل هذه الحوادث قد تم إيجاد شماعة خاصة لها بعنوان : المرض
النفسي وهو البند الذي لم يعد صالحاً إلا للاستهلاك المحلي ..
ومع كل هذا يبقى السؤال الذي لو نطقت به كل ضحية من ضحايا العنف لقالت : هل
هناك مبرر يجعلنا نتحمل أخطاء غيرنا , أو أمراضهم , وظروفهم النفسية .
ونكون ضحايا لتصرفات لا تمت للآدمية بصلة ... ؟
أتمنى ألا تستمر مثل هذه الحوادث , وأن يتم الإعلان عن قوانين , وإجراءات
حازمة يعرفها كل من تسول له نفسه أن يتصرف بطيش , ولو في لحظة غضب ...
بقلم / عبدالعزيز الغانمي