الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

احترمك لمنصبك أو مالك !


رسالة قوية في كلماتها، معبرة في معانيها، مؤلمة في مضمونها، تلقيتها من شخصية كانت بالأمس لها في المجتمع حضور، وبين الصفوف الأول تواجد، يقول في مضمونها بعد مقدمة أدبية راقية، نصيحتي لكل مسؤول حكومي أن يتذكر لحظات الرحيل ومفارقة المناصب، وأن يعمل لغده لا ليومه، فقد عانيت بين جنبات مكتبي سنين طوالا، عاملا لخدمة الدين والمليك والوطن، ونلت ثقة رؤسائي حتى وصلت لمنصب عال، وكان باب مكتبي أشبه بباب مبنى سكني، فلا أرد داخلا ولا أنهر سائلا.
عشت سنوات عملي محملا بآمال قد تأتي بعد تقاعدي، كان أبرزها أن أجد كلمة جميلة، أو نظرة حانية من أبناء مجتمعي بعد أن كبرت سني، وانحنى ظهري.
لكن مجتمع الأوفياء أفل كما تأفل نجوم السماء مع لحظات الشروق، فمن كانوا بالأمس يضيئون بوقفاتهم الطريق، غدوا اليوم يطفئون الأضواء، وغدا القريب قبل البعيد بعيدا، وغدا المنصب الوظيفي ورصيد البنك من يقيم الإنسان.
ويواصل باعث الرسالة قائلا: أخبرت أحدهم أنني لا أريد كسرة خبز تأتيني من هذا أو رشقة ماء ترويني من ذاك، فما كنت أطمح إليه أن أرى تقديرا واحتراما لشخصي لا لمنصبي الذي هجرته بتقاعدي، أو تقديرا لشيب غطى شعراتي.
وفضلت أن أذهب بعيدا، وأبقى وحيدا، فلعل في وحدتي راحة للنفس قبل الجسد، وحينما شاءت الأقدار أن يفتح الله لي بابه الواسع برحمته ورزقه، خضت مجال الاستثمار العقاري وأنا متردد، فكانت بدايتي بأرض صغيرة اشتريتها قبل تقاعدي بسنوات، وهجرتها لبعدها وعدم توفر الخدمات بها، وحينما قررت بيعها فضلت الوقوف على طبيعتها لعل العمران قرب منها أو الخدمات وصلتها، ويكون ثمنها عاليا، وما كنت أتوقعه حدث، فقد شهدت المنطقة حالات عمران عالية، وارتفع سعرها أضعاف أضعاف ما كنت أتوقعه، ومنها كانت انطلاقتي فبعتها واشتريت بدلا منها ثلاثا، وهكذا حتى وفقني الله لشراء عمارة سكنية، إضافة إلى عدة أراض، ومع ظهور اسمي كعقاري تسابق القريب قبل البعيد نحوي، وحل الناكر للمعروف وفيا، فعادوا الواحد تلو الآخر، وحينها أدركت أنهم من أصدقاء المصلحة ففضلت هجرهم والبعد عنهم، وأحمد الله أن حقيقتهم قد انكشفت قبل رحيلي عن الدنيا، وإلا وقع أبنائي ضحايا خداعهم.
وإن كان باعث الرسالة قد عبر بصدق عن حاله وحال الكثيرين، فإن الواقع يؤكد بأن هناك من ينظرون للمنصب أو المال الذي يملكه الشخص، ولهؤلاء وغيرهم أقول إن المنصب والمال زائلان، ويبقى الإنسان بشخصيته ومواقفه، ومن لا يحترم الإنسان بشخصيته فلا يستحق أن يحترم.
ومن كان ذا منصب أو مال، فعليه أن يدرك أن الكثير من المقربين منه لا يحترمون شخصيته بقدر احترامهم لمنصبه أو ماله، وإن عصف به الزمان يوما فلا يجد من يقف معه إلا الندرة النادرة من الأوفياء، فقد بتنا نعيش زمن المصالح لا زمن المحبة والوئام.