الخميس، 28 يوليو 2016

لماذ لن تحقق السعادة في حياتك؟



كثيرا ما اسمع أو أقرأ موضوعات وكتب تناقش موضوع السعادة في الحياة، الغريب بالأمر أن كل ما تسمعه في الحقيقة مفيد جدا لتحقيق السعادة، وهنالك عدد لا منتهي من النصائح والارشادات التي تقودك الى تحقيق السعادة، ولكن الى وقت محدد وبعد ذلك، تشعر بانك بحاجة الى جرعة جديدة لتحقق السعادة في حياتك من جديد.

هنالك العديد من الأسئلة والمفاهيم حول موضوع السعادة بالحياة، ولعل من ابرزها ما يطرح بشكل واسع تجاه السعادة من غذاء الروح، وكيف أن المسلمين يشعرون بالسعادة اكثر من غيرهم، لأن دينهم يغذي ارواحهم، لا أريد من احد ان يتحامل علي ان قلت ان هذه الحقيقة بحد ذاتها حقيقة زائفة، لان هنالك ملايين من المسلمين ليسوا سعداء، ولا يفكرون بالوصول الى حد السعادة، لانهم يبحثون عن أشياء اساسية اكثر وحجات ملحة اكثر في حياتهم ابسطها، المأكل والمشرب والمسكن، ناهيك عن الالاف الذي لا يملكون هوية تمكنهم من السير بمسارات الحياة بشكل طبيعي، وغيرهم كثيرون يعانون من تمييز عنصري.

أجمل ما في موضوع السعادة أنه مثل موضوع الثراء دائما ما تجد هالة جميلة من حوله تدفع الجميع للبحث فيه، لكن قليلا ما نجد نتائج واضحة ملموسة وفي اغلب الاوقات نحن نخرج بمحصلة من المشوشات الغير فاعلة في الموضوع والتي تزيد الامر تعقيدا ولا تعمل على تحسين حالة التشتت في الأمر.

لماذا لن تحقق السعادة في حياتك؟ ربما يكون سؤال تشاؤمي او في احسن احواله سؤال ليس ايجابي، من يتابع كتاباتي يدرك انني لا اكتب من اجل الترفيه وانما الامس حقائق بواقعية يرفضها الكثيرون ويؤمن بها البعض وفي أهم ما في الامر انني ارتاح لكتاباتي، فمن سيجد هنالك تناغم في طرحي ربما يكون على شاكلتي وهذا لا يؤشر بان ما اقوله أصلا مقنع الى حد كبير.

لن اسهب في الحديث عن الحياة الاجتماعية التي عشتها وان كانت زاخرة بعدد وافر من القصص التي تبرر طرحي للسؤال ولكن الاهم من ذلك هو الاجابة على السؤال الذي يسعى كل انسان لايجاد الاجابة على عكسه، فكل انسان بحاجة الى تحقيق السعادة في الحياة ويبحث عن طرق السعادة ولا يهم على اي حال لمعرفة لماذا لن يحقق السعادة، ربما ان كنت وصلت الى هذا الحد من المقال ان تكون من 1% من الناس الذين انجذبوا لقراءة المقال لان 99% لن يتابع القراءة من مجرد رؤية العنوان وهذا ما ابحث عنه.

ابحث عن قراء يهتمون بمعرفة الحقيقة بغض النظر ان كانت متناغمة مع ما ياملون او لا المهم انهم يبحثون عن المعرفة والتعمق في البحث عن الاجابات لتلك التساؤولات التي يبحثون عنها وان لم يجدوا شئ يقربهم من ذلك يبحثوا عن اقرب ما يصب في محيط الامر وهذا ما سيدفعك لقراءة موضوعي وان كان غريب او غير مقبول للوهلة الاولى.

هل السعادة مطلب لجميع الناس؟ الاجابة البديهية نعم والاجابة الحقيقية نعم ايضا، لا يوجد من لا يريد ان يشعر بالسعادة ويعيش السعادة ويذهب عنه كل الهم والحزن، وهذه نقطة بداية موفقة لاننا كلنا نبحث عن السعادة بغض النظر عن كيف واين ومتى أو بغض النظر عن المعتقدات والدين وكذلك بغض النظر عن الفكر.

هل نسعى لتحقيق السعادة في حياتنا؟ نعم كلنا نسعى لذلك ولكننا في كثير من الاوقات نخفق في فهم مفهوم السعادة من الاساس لذلك كلما نصل الى مستوى نجد انفسنا نبتعد عن السعادة شيئا فشيئا، دعني اخبرك قصة تحدث مع معظم الناس، فكل انسان يسعى للتعليم او العمل بالتوازي او التتابع وبعد ذلك يبحث عن مال لبناء بيت من زواج وما يلحقه وتجده دائما ما يامل السعادة بالتخرج السعادة بالحصول على الوظيفة السعادة بالزواج السعادة بالاولاد السعادة بالسفر تكبر وتصغر المقاييس لكننا نبحث عن السعادة ونسعى لتحقيقها.

لماذا نحن لسنا سعداء؟ اجابات كثيرة يمكن ان تكون نموذجية على هذا السؤال لكن الاهم من ذلك هو ادراك المفهوم الحقيقي للسعادة، دعني اخبرك امرا هاما جدا، ان كنت تعمل في وظيفة براتب 10000 دولار وكنت في اخر الشهر قد حصلت على 8000 دولار هل ستكون سعيد، ربما البعض يقول نعم واجزم ان من قال نعم هو يتمنى ان يحصل على ربع هذا الراتب كاجر شهري، لكن الاجابة الطبيعية للسؤال هي لا، دعني اعكس عليك الموضوع بشكل اخر، لو كان دخلك الشهري هو 200 دولار وحصلت في نهاية الشهر على 500 دولار هل ستشعر بالسعادة، الطبيعي ان تقول نعم وجدا لان حصولك على شيء يفوق توقعاتك هو ما يشعرك بالسعادة.

بيت القصيد هو اننا دائما لا نشعر بالسعادة لان سقف توقعاتنا اكبر بكثير من واقع سير الاحداث وهذا ما يحبطنا لذلك لا نشعر بالمتعة في الحصول على اشياء كثيرة في حياتنا ربما نعتبر انها مسلمة، ونبحث عن الشيء الاخر الذي لم نحصل عليه، لذلك نحن بحاجة لعلاج سقف التوقعات لدينا ومن ثم سنحصل على سعادة كبيرة في جوانب حياتنا.

اتساءل لماذا يشعر المسلمين الجدد بلذة الغذاء الروحي في الاسلام بما لا يشعر به المسلمون اصلا، لان المسلمين الجدد يشعرون بشيء يفوق توقعاتهم فهو يشعرهم بالراحة والسعادة بينما الحد الادنى للمسلمين بطبيعة الحال بما يتعلق بهذا الجانب هو كبير جدا ولذلك سيملون ويشعرون بملل اذا لم يغيروا طبيعة توقعاتهم.

لن نشعر على السعادة في حياتنا لاننا غالبا نرفع سقف توقعاتنا، ونبحث عن الجزء الناقص في كل ما نحصل عليه وكاننا نحاول ان نكون صورة وهمية لن تحدث ابدا لذلك نكون في اغلب الاوقات غير سعداء، وهذا ما يفسر الكثير من الظواهر في حياتنا، فهنالك من يحزن لانه خسر في تجارته 5 ملايين دولار بينما مجموع ما يمتلكه يمكنه من تاسيس دولة وتحقيق نفقاتها بكل وزاراتها وسكانها، هذا بالنسبة له غير مهم لانه معتاد عليه وسقف توقعاته ارتفع بالتدريج الى ان وصل الى مرحلة ان يحزن على خسارة 5 ملايين دولار، بينما ستجد من يموت ان خسر منزله البالغ قيمته 50 الف دولار بجلطة دماغية مفاجئة.

أعرف من ماتت بسبب ارتفاع ايجار البيت ما قيمته 150 دولار بالشهر، تازمت لانها فكرت بسقف توقعات ان الايجار سينخفض او ان هنالك من سيدفعه عنها فلما علمت بالخبر ماتت من الصدمة، والقصص كثيرة وكلها يعبر عن سقف التوقعات الكبيرة جدا التي نقيد انفسنا بها ثم نتفاجئ لماذا حياتنا تسير بمسار سيء.

كنت في جلسة مع صديق وسالته سؤال هام جدا، تخيل لو اننا نعيش بقرية وبمستويات دخل اضعف وحدود اقل مما نعيش فيه في حياتنا الان، هل سنكون سعداء؟ اجابني ببساطة ستكون مشكلتك الكبرى في كيف تحصل على مبلغ لتستطيع ملئ سيارتك بالوقود، ربما هذه المشكلة لم افكر بها من قبل لانها ابسط بكثير من سقف توقعاتي، لكنني اعدت عليه طرحا من الخيال، وقلت له: لو ذهبنا للقرية لنعيش فيها بكل ما نمتلك الان، فقال لي: سنكون من علية القوم في القرية. ربما لم نفكر ان نكون من علية القوم في المدينة اصلا، لكنه انتابني شعور جميل لمجرد التخيل. وشعرت معه بالسعادة.

لن نشعر بالسعادة اذا استمرت حياتنا بالبحث عن الشيء الذي لا نمتلكه وازدادت توقعاتنا وسقوفها بشكل متتابع، لذلك علينا ان نخفض من سقف توقعاتنا لنعيش حياتنا بشكل اجمل، وهذا ما سيحقق لنا سعادة في الحياة، وانا بذلك لا ادعوا الى الانهزامية او الامبالاة او عدم الاجتهاد في الحياة ولكن ادعو الى التفكير بطريقة عملية مهنية بتغيير سقف توقعاتنا ليزيد مستوى شعورنا بالسعادة لما نحصل عليه في حياتنا.


الرياض - السعودية
28 يوليو 2016