الاثنين، 3 نوفمبر 2014

على هامش الهجرة


توقف التاريخ هناك في غار ثور وجاء متهاديا في خشوع وتبتل في محراب النبوة المحمدية الشريفة ولسان حاله يقول : ها أنذا بين يديك يامحمد فاكتب بداياتي وضع الحروف الأولى من صفحاتي
ودون خطوطي العريضة لبداية الرشد الإنساني
في مكة المكرمة يضيق أهل الشرك بأهل التوحيد ويتآمر صناديدهم للنيل من الذات النبوية الشريفة لاستئصال شأفة الدين وذلك بالقضاء على سيد الخلق وسفير الحق في مؤامرة دنيئة كشف الله أبعادها في كتابه العزيز حيث قال 

 وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين    الأنفال(٣٠)
هكذا قرروا في ليل أليل وظلام دامس في سرية تامة متناسين أن الله مطلع على سرائرهم وكاشف لأستار أسرارهم وفاضح لنواياهم الخبيثة المبيتة وتلبس مكة ثوب الحزن وترتدي بطحاؤها أسمال الألم ولسان حالها يقول :-
أصحيح أن الصادق الأمين سيغادر ربوعها ؟ 

وأن أنقاها وأطهرها وفتاها ستخلو شعابها منه؟
 وأن حقد أساطين الشرك قد بلغوا هذا المبلغ من الكراهية لأفضل من وطئ الثرى؟
وغدت مكة تتساءل وتتساءل وهي تنتحب من الم الفراق وعذاب البعد
لكن المشيئة الإلهية كانت فوق ذلك فقد كانت تتولى تدبير أمره وتوجيه مسيره وحمايته من شرور المتربصين
وهاهو سيد البشر يرمق مكة بعين المفارق ويودعها بقلب تعتلج في داخله مشاعر الألم والحزن فيقول لها مودعاً (اللهم إنكِ أحب البلدان إلي ولولا أهلكِ أخرجوني ماخرجت ؛ اللهم كما أخرجتني من أحب البلدان إلي فأخرجني إلى أحب البلدان إليك)
وتحتشد المشاعر في قلبه ويستجيب لأمر من أخرجه فيتوجه إلى غار ثور مع صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويستقبلهما الغار وقد إجتمع جند الله لحمايته صلى الله عليه وسلم ويبيت إبن عمه البطل المغوار سيدنا علي رضي الله عنه في فراش النبوة آيات هنا وآيات هناك ويستمر المتآمرون في تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة مرتدين ثياب الليل ومتوجهين إلى فراش النبوة فيخرج المصطفى من بينهم ناجيا ويضع على رؤسهم حفنات من التراب ويستمر ليلهم مع شروق شمس النبوة المحمدية ويلقي عليهم الله السبات من السماء ويخيب رجاءهم وينجي الحق وأهله
أما الغار فأسأل عنه الحمامة والعنكبوت وأسأل عنه قول الله تبارك وتعالى 

( لاتحزن إن الله معنا) معية إلهية هنا في الغار يقابلها معية شيطانية هناك في دار المؤامرة ويبقى في الغار مايشاء الله حتى يؤذن له بالإنصراف إلى طيبة وما أدراك ما طيبة إنها مهجره وتبدأ الرحلة ويتعقبه المجرمون للنيل منه حتى أدركه سراقة فتغوص قوائم فرسه في الأرض ويعود أدراجه بوعد السوار الذي سيزين به معصمه سوار كسرى كما وعده المصطفى صلى الله عليه وسلم وتستمر الرحلة ويحل الضيفان على أم معبد لتقدم لهما الضيافة على لبن العنزة التي مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على ضرعها فتدر لهما اللبن مع أنها بكر لم يطرقها الفحل وتحل البركة بعدهما وفي طيبة يصل موكب النبوة ويخرج أهلها في موكب مهيب لإستقبال سيد الكون وبدر الوجود لتبدأ بعد ذلك رحلة الإسلام التي عمت بقاع الأرض
هكذا خرج وهكذا استقبل عليه الصلاة والسلام ابتسامة

 وفرح في طيبة وحزن وألم في مكة