الجمعة، 20 ديسمبر 2013

ست الحبايب


وحشتيني يا ست الحبايب مرت سنة على فراق امي الحبيبة ،
 ست الحبايب ، القيادية ، المعلمة ، الحنونة ، العطوفة ، اﻻجتماعية ، المتسامحة ، التي لو حصرت لها كل الصفات الجميلة التي اعطانا 
اياها ربنا سبحانه وتعالى في الدنيا لما اوفيتها حقها. لقد كان لي 
الشرف ان ارافق والدتي اخر 17 سنة من عمرها ومن حياتها ، ليل نهار ،
 وفي ليلة وداعها لي ؛ كنت أتسامر معها واضحك لمدة خمس ساعات ، حتى ما قبل الفجر بنصف ساعة ، وكبستها بناء على طلبها ، و غطيتها ونيمتها ، وعند صلاة الفجر كنت بجانبها كعادتي ايقظها للصلاة ، ناديتها فلم ترد ، عليت صوتي يا حلوة قومي فلم تجيب ، عليت صوتي أمي أمي صلاة الفجر تأخرتي عشر دقايق فلم تتحرك من مكانها ، ذهبت تجاهها ووجدت عينيها مفتوحتان ، وحركتها فلم تتحرك من مكانها ، اقغلت عيناها وانا ابكي ، وناجيتها بدموع أﻻ تكون هنا النهاية ما بيننا في الدنيا ، لكنها فعلتها وودعتني ، تركتني ورحلت ، استودعتني وهي بين يدي ، وذهبت عند من هو أفضل منها ومنى ، غادرت عند العزيز المنان ، رحلت عند الرحيم ، الغفور ، تألمت وادمعت وحزنت وبكيت ، صدمت ، صعقت ، لكنها ارادة الله سبحانه وتعالي ، يحي ويميت ويعطي ويأخذ . وكانت ست الحبايب الغالية ﻻ تحب الوحدة ، وعندما تذهب من عندها الشغاله في اجازتها الشهرية وتبقى لوحدها ﻻ تتركني من اتصالاتها الدائمة التي قد تصل لعشرين او ثلاثين اتصالا حتى اعود من عمل ، او من مشوار . وهي تقول لي ﻻ تنساني ، وفي محادثة أخرى انا انتظرك  ومحادثة تالية انا بمفردي هنا ، وتبعها بمحادثة انا لوحدى ، وغيرها وغيرها ، كنت فعلا ﻻ أحب أن أتركها بمفردها إﻻ لعمل او لمشوار ضروري أو للشديد القوي ، كنت أحبها بجنون ، وأمزح معها (أشاكسها) ، وأحيانا أعاتبها ، وكذا أنصحها ، وكثير أدعو لها . كنت أحبها من حنانها الشديد علي وعلى أخواني وأخواتي وأبنائنا وبناتنا ، فلم تكن تزعل منهم وﻻ منهن مهما حدث ، وكانت تنتظر زيارتهم خلال أيام اﻻسبوع وبشدة يوم الخميس حيث كانو يتجمعون كلهم عندنا ، وكانت يومها تصر ان تعطيني من فلوسها عشان اشتري لهم الكيكات والجمبري والعصيرات والمكسرات وغيرها ، وتجهز العشا من بدري . كانت تدعو لهم بعد كل صلاة وخاصة المغرب والفجر ، وكنت أمزح معها عندما تقول لي ان نظرها أصبح ضعيف ، وكان عمرها ثمانون عام رحمة الله عليها وبحمد الله كانت في كامل قواتها العقلية والبدنية ، بستثناء الضغط والسكر ووزنها الثقيل ايلي تعبوها شوية ، وضعفوا مشيها ، وأذكر يوم قالت لي اصبحت عيوني مغبشة وصرت ما اشوف ، فأخذت ثلاجة شاهي كبيرة من الغرفة ، وخرجت مسرعا من أمامها ، فصادتني ونادتني تعال تعال فين واخد الثلاجة ورايح ، فعدت أضحك وأقول لها وتدَدعين أنك ما تشوفي ، ما شاء الله عليك ، هذا وأنا مسرع ولقطتى الثلاجة ، وكنت دائما المزح والضحك معها ، ٌلإدخال السرور على نفسها ربي يغفرلها ويسامحنى ويسامحها وكنت أعاتبها عندما تزعل من أخواني على سبب ما ، فأقول لها أتركيهم سيعودون لك ، ﻻ تهتمى الحياة صعبة الله يعينهم ، وكنت اقول لها دوم إرضي عليهم فهم بحاجة لرضاك ولدعائك لهم ، الحياة صعبة يا أمي ومشاكل عيالهم كتير ، وأيضا عندما كانت تتخاصم مع الخادمة ﻻنها ما كانت تجيب لها المطلوب ، كنت أخبرها عادى يا ست الحبايب ، لو ما جابت المطلوب بهدوء قوليلها يابنتي مو دا جيبي التاني ، ولو ما جابته كرري عليها بهدوء ، وعندها ستعرف أنها ﻻزم تنتبه لكلامك وتجيب إيلي تبغية عشان ما ترجع ثلاث أربع مرات ، وﻻ تزعجي نفسك ، ﻻ تكسبي اثام على حسابها ، بل اكسبي منها حسنات بهدوئك وصبرك ، وكنت كلما زعلت من الخدامة أعاتبها بهدوء وأذكرها مو أتفقنا إنك تعملي كدة ، إنتي يا أمي في حاجة لحسنات ﻻ تخلي الخدامة تاخد حسناتك ، خدى إنتي حسناتها لنك متحملتها ، وهي تراوغ فيك ، وكنت أدعو لها في حياتها الله يقويها ويهديها ويكسبها الأجر ، ويكسبنا رضاها ، ويغفر لها ويرحمها في الدنيا واﻻخرة ، كنت أحبها كتير وأخاف عليها لما اخرج ، وأشتاق لإتصالها واستغرب لو لم تفعل فأعرف ان احد اخواني أوخواتي عندها ومشغوله فيهم ، وقبل وفاتها بليلتين جاني رابط لطﻻل مداح ي قرأ قرأن ، وذويه يقولون تبادلو المقطع وأسمعوه حتى ياخد صاحبه حسنات من قرأة القرآن ، فخطر في بالي أن أسجل صوتها وهي تدعو ﻷخواني لتكون ذكري ن ستمع إليها يوميا أنا وأخواني وأخواتي ، وبعد الفجر فتحت مسجل البلاك بيري ﻷسجل دعائها لنا بعد صلاة الفجر ، وخرجت أصلي وعدت ، وعندما عدت كان الجهاز مقفل  فلم أستمع للتسجيل ، وبعد وفاتها بثلاث أيام في آخر يوم ناخد عزا ها في إجتماعنا اﻷخوان واﻷخوات ، سألني أخي اﻷصغر وكان دائم مشاغبتها لكن في صالحها ، ليه ما تاكلي يا أمي ، ليه ما أخدتي الدوا ، سألني هل أمي زعلانه مني ؟، فجاوبته تلقائي ، أمك ما عمرها زعلت منكم إﻻ وقت ﻻ صارت مشكلة ﻻ سمح الله تهاجم أحدكم ليش يسوي كدة وليش يعمل كدة ، لكن حالما تجلس على سجادتها بعد المغرب تنسي كل شئ وتبدأ في الدعاء لكم جميعا بدأ من أمها وأبيها فمحمد أخي وتبكي عليه فأبي رحمهما الله ، ثم تدعو لنا جميعا فردا فردا ، وفي اﻻجتماع بأخواني واخواتي طلبت من إبني عامر أن يحضر جهاز جوالي ، وأبلغتهم المفاجاءة إسمعو آخر دعاء لكم سجلته لها قبل كام يوم . وفتحت الدعاء فتفاجئت أنا
وتفاجؤوا معي كل أخواني وأخواتي ، الدعاء كان كلة قراءة قرأن ثم دعاء لي أنا جمعه ولولدي عموري فقط ، ثم قراءة قرآن ولمدة 14 دقيقة. أنحرجت من الموقف لكن ﻻحقا عرفت أنه كرم من الله ، اكرمني فيه ﻷستمع لدعاء أمي لي ، وﻷبني يوميا . في الصباح والمساء فأدعي للها وهي في قبرها رحمة الله عليها ، وأشوفه كرم من أمي ورسالة أن وفائي لها ورعايتي لها لم يضيعا سدى في الدنيا وانها باقية معي ولم ترحل عنى إلي غير مكان ، بل ستظل معي يوميا ، أتصبح بصوتها وأتمسى به وهي تدعو لي ولابني عامر . ومن كرم الله عليها ﻹنها ﻻ تحب الوحدة ، رزقها بطفل مولود متوفي دفن معها في قبرها ، وهذا نعمة من الله عليها ﻹنها لم تكن تترك فرض في الصلاة وﻻ سنة وﻻ نافلة حتى صيام اﻻثنين والخميس ، وأيضا صامت شهر رمضان كله وهي حامل فيني وولدتني ليلة العيد وليلة جمعه وعشان كدة سماني جدى (جمعه) رحمة الله عليه ، ورحمة الله عليك يا أمي ياست الحبايب (يا كوثر المجد) ووسع في قبرك ، وجعله روضة من رياض الجنة ، وغفر لمن أسأتي إلية ، وأعاذك من عذاب القبر ، وعذاب جهنم ، وجعل مثواك ومثوانا وكل أصدقائي وصديقاتي وأحبابي و محبيني بعد الحساب .
 الفردوس اﻷعلي . آمين .