الخميس، 6 ديسمبر 2018

دكتور ومستشار ومدرب وروائي

لم يعد للعلم والعلماء، والثقافة والمثقفين وجود في عالم اليوم، بعد أن حوله أصحاب الأموال إلى سوق تجاري يشترون منه ما يريدون، فبالأمس كانت تجارة المؤهلات الأكاديمية المزورة مزدهرة في سوق الجامعات الوهمية، فأصبح من لا يعرف الفرق بين التعليم والتعلم، حاملا لدرجة الدكتوراه في التربية أو الأدب أو الإعلام أو حتى الطب والهندسة.
وبعد اكتشاف ألاعيبهم وفضح مؤهلاتهم المزورة أخذوا يتجهون صوب مجالات أخرى لكسب مكانة مميزة بين أفراد المجتمع، فظهر المستشارون وبتنا نرى مستشارا إعلاميا وآخر اقتصاديا وثالثا بمنصب مستشار خاص.
ومن دكتوراه مزورة إلى مستشار خاص أصبحنا نرى اليوم تجارة جديدة دخلت إلى عالمنا تمثلت في ظهور أعداد لا تحصى من المدربين المعتمدين، بعد أن أصبح الحصول على شهادة مدرب معتمد، أسهل من شرب كأس ماء بارد، وأصبح ظهور الدورات التدريبية التي يقدمها المدربون المعتمدون أكثر من ظهور الشمس في رابعة النهار، فهم يبثون إعلاناتهم ليل نهار عبر الصحف المحلية أو وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن نجد جهة حكومية تحاسبهم.
وإن كانت عدة جهات حكومية ومؤسسات كبرى رفضت اعتماد مؤهلات موظفيها ما لم تكن معتمدة من قبل الإدارة العامة لمعادلة الشهادات بوزارة التعليم، فما هي الجهة التي يمكنها معادلة شهادات المدربين المعتمدين؟قد يجير البعض المسؤولية على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، باعتبار أن ما يقدمه هؤلاء المدربون إنما هو دورات تدريبية.
وهنا أسأل كما يسأل غيري كيف ظهرت هذه الأعداد من المدربين المعتمدين؟ إن كان البعض منهم لا يعرف عن التدريب وما يقدمه من دورات سوى رسوم الاشتراك؟وتحول العلم والتعليم لديهم إلى تجارة يسعون من خلالها لاستغلال الآخرين خاصة الباحثين منهم عن العلم والمعرفة والاستزادة بعيدا عن المقررات الدراسية،
 وكتب التراث والتاريخ.
إن ما نخشاه أن تتحول الدورات التدريبية المقدمة إلى سلعة تجارية يتنافس عليها المدربون غير المؤهلين بعد أن ارتفعت نسبتهم وغابت الرقابة عنهم.
ونحن في زمن لم يعد حامل المؤهل المزور وحده بالساحة، فقد ظهر المستشار كما ظهر المدرب المعتمد، فأصبح تعريفه يتضمن 
«الدكتور المستشار والمدرب المعتمد....».
وإن كان البعض من المدربين الحقيقيين قد غضبوا مني حينما قلت مرة «مدربو الموارد البشرية وأكوام البطيخ»، فهذه حقيقة، ولا بد للمدربين الحقيقيين المؤهلين فعلا أن يثبتوا جدارتهم ويسعوا لإيقاف مدربي الغفلة.
فـ«المدرب المحترف هو شخص موثوق به، وأوكل إليه نقل خبرته المهنية والأكاديمية من خلال عملية تدريب منظمة لفئات مهنية معينة، خاصة إذا كان هذا الشخص مبتكرا لتقنيات جديدة وصاحب رؤى مبتكرة»، وأرجو ألا يغضب المدربون الحقيقيون حينما أقول إن هناك أعددا من المدربين غير مؤهلين لحمل هذا المسمى.
والحقيقة أن هناك الساعين لكسب مكانة لا يستحقونها في المجتمع، فمن دكتور ومستشار ومدرب معتمد، أصبح هناك راو يقدم روايات الآخرين بعد أن يدفع قيمتها ليقال إنه من المثقفين الرواة، وهذا ما كشفت عنه هذه الجريدة في خبر نشر تحت عنوان «أعطني 50 ألف ريال أحولك إلى كاتب روائي».
ولا أقول سوى الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به غيرنا.