الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

إشكالية فلسفة المعرفة عند نيتشة



يرى نيتشة بإن الارادة الكامنة خلف المعرفة هي التي تفرض المعاني على الأشياء والتي تسخر العالم لمصالحها وليست المعرفة ذاتها
فليس طلب المعرفة هو الباعث عليها وإنما الباعث عليها هي المصلحة المختبئة خلف هذه الأنساق المعرفية
وهذا بعكس الفلاسفة الأخرون فقد قال ارسطو أستاذ الفلسفة الأول :-
ان الفلسفة هي معرفة الحكمة
أما نيتشه فقد قال إن الفلسفة هي فن الحياة والتعايش ومع جمالياتها أي أن الفلسفة الحقيقية هي باعثها أي الباعث لمعرفتها وليس ذات المعرفة
وقد أغرق في حب ذاته وعبادة نرجسيته حتى قال عن نفسه :
انا لست بشرا وإنما انا حزمة متفجرات بالأنساق المعرفية وبواعثها ، لعلمه بأن المعرفة ماهي إلا ذلك المصطلح الذي يخفي وراءه صراع إرادات الأقوياء القابضة على المصالح في العالم وعلى مر التاريخ البشري ولذلك فهو يرى :-
أن تاريخ الفلسفة ماهو إلا تاريخ عداوة للحياة لأن الفيلسوف يأخذ الإنسان إلى المفاهيم النظرية المخدرة والمصطلحات المجردة وليس إلى جمالية الحياة ومتعها ، فالفيلسوف يأخذ الإنسان إلى ملهاة المصطلحات التجريدية ويبعده عن التعايش مع الحياة وجمالياتها وهكذا تضيع الحياة بين الأنساق الفلسفية النظرية والقوالب المنطقية الجامدة فيفقد الإنسان معناه الجمالي تحت وطأة هذه الأنساق الفلسفية المجردة
ولذلك وجب أن نوجه البحث
من البحث عن الحقيقة
إلى البحث عن إرادة الحقيقة
أي لماذا نبحث عن الحقيقة ؟
لقد أسس نيتشه فلسفته النقدية على مذهب الإرتياب والشك في نظرية المعرفة فبدلا من أن ينقد العقل ومنتجاته فقد تبنى فلسفة نقد القوة التي تستعمل العقل لصالحها ، بمعنى أن الثقافات والمعرفة ماهي إلا أعراض لإرادات أهل القوة التي تستعمل العقل لتحقيق أغراضها ولذلك فإن تاريخ الفلسفات والثقافات هو تاريخ صراع القوى على مصالحها
إن مفتاح الوجود عنده هو الإرادة والفعل ، وليس العقل المجرد
ولذلك فإن النقد السليم يتوجه إلى الذات أي إلى ذات الإنسان لا إلى الآخر .
 يقول نيتشه :-
يجب عليك أن تحترق من الداخل حتى تصبح رمادا وحتى تتجدد كالأفعى التي تجدد جلدها وإن لم تفعل ذلك فإنك ستموت لا موتا بدنيا وإنما موت الحضور في العالم والمشاركة في فعله الحضاري
ومن ثم فإن إيقاظ الوعي للنهوض بالأمة يتطلب ثورة هائلة على الإرادات الداخلية التي تميل إلى العدمية والدعة وليس لغيرها
إن تثوير الإرادات واحتراقها الداخلي يقضي على مفهوم العدمية الداخلية ويفجر كوامنها لكي تقود الإنسانية عامة إلى عالم التحضر الحقيقي
فالإنسان لا يتحرك بالعقل فقط ولا بالمنظومات المنطقية ولا بالمعطيات الرياضية
وإنما يتحرك بالمنظومات الشاعرية الروحية مع ما ذكرته سابقا
إن حدود العلم حدود ضيقة لا تغطي مطالب الإنسانية كلها بكل أحلامها وخيالاتها الشاعرية وإنما يتوقف دوره عند تحقيق إحدى هاتينن القضيتين :-
إما صدقا نظريا
أو قيمة منطقية
وهاتان القضيتان لا تكفيان لأعطائنا نماذج بشرية إبداعية متباينة
وإنما تعطينا نماذج متماثلة تقليدية مثلها مثل النظرية الإجتماعية الفلسفية لأنها تدعو لمجتمع متماثل غير متباين وفي هذا تعطيل لطاقاته المختلفة والمتفاوتة
قال نيتشه :-
انا لا ابحث عن جثث أجرجرهم حيث أشاء
وإنما أبحث عن إنسان يتبع ذاته الإبداعية ويلبي مطالبها العليا وآمالها البعيدة
ومن ثم فإن الإرادة الفردية هي المفتاح الحقيقي للقضاء على مشاعر العدم والإرتكاس في حمأة الدعة والخمول
ومن ثم الإنتقال إلى مشاعر الإستقواء والتجديد .
ومن ثم نخلص إلى هذه النتيجة البسيطة :-
{الغرض من المعرفة ليس الحصول عليها كمعرفة مجردة وإنما إخضاعها لمصالح الأقوياء}
ملاحظة مهمة جدا

إن من المعلوم أن هذا الفيلسوف [نيتشة]
هو فيلسوف ألماني يميل في دراساته الفلسفية إلى الإبتعاد عن الدين والقيم وهذا لا يعنينا إلا إن وجدنا أن في كلامه ما يتعارض مع أصل من أصول ديننا الحنيف لكنه هنا لم يتعرض للدين بأي شكل من الأشكال
وعند ذلك فما علينا إلا قراءة فلسفته في موضوع المعرفة من حيث الإنتقال بها من غرض الدراسة التجريدية المعلقة بمصطلحات مثالية يستحيل إسقاطها على الواقع إلى غرض البحث عن الدافع لذلك البحث ، وهذه نقطة جوهرية ودقيقة لأنها أسفرت عن ذلك الوجه المختبئ وراء هذه المطالب وأخرجتنا من الإستغراق في عالم المجردات إلى عالم الغايات من طرح تلك المجردات
فلونظرنا لمصطلح فلسفةالديموقراطية
لوجدنا بأنه مصطلح جماهيري مثالي مريح ؛ لكنها في النهاية تتجول في أروقة النخب ؛ فهي لا تتجاوز مفهوم تدوير المصالح بين نفس النخب ونفس الوجوه أما الشعوب فهي غارقة في مناقشة الديموقراطية كمصطلح تجريدي فقط وحلم لم يتحقق بعد ولن يتحقق
أبدا
لننظر للعراق مثلا
فمنذ أن سقطت بغداد لصالح الإحتلال الأمريكي إلى يومنا هذا والحكم في عملية تدويرية لنفس الفريق المرافق للإحتلال فماهم إلا أدوات لأصحاب الإرادات القوية في العالم ، والشعب العراقي في عالم آخر ، فهو يقرأ الديموقراطية ويسمع بها في الإعلام ويعيش جنتها كمفردة وحلم بعيد عن الواقع ؛ بل إن حاله أسوأ من ذي قبل ، عدا الفريق المتنفذ .
لقد أحببت إيراد العراق كمثل بين أظهرنا لكي نتبين خديعة المصطلحات ومرارة الواقع .
إني أعلم أنني قدمت مقالة دسمة
وخالية عن اللمحات الفنية والأدبية
لغرض التنويع والتنوير والتحذير من خديعة المصطلحات الماكرة 
وزيف أصحاب الإردات القوية المتصارعة
فعذرا منكم سيداتي وسادتي الأعزاء
وأعدكم بمقال يرفرف في سماء البيان العذب إن شاء الله تعالى
نزيف قلم من وريد واقع أليم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني مروركم وتعليقاتكم الرائعه