الجمعة، 14 سبتمبر 2012

قصة عبدالله العقلا

المدرب وجدي خياط
الثاني من فبراير 2010م: لم يكن يوما عاديا بالنسبة لي حيث لم تمض أربع وعشرون ساعة على دخولي عالم الحياة الزوجة، ولكن ما كان يزيد ألق تلك الليلة ورونقها أني واعدت وجدي لأحتسي معه كوبا من القهوة في أحد مقاهي مدينة جدة كعادتي عند زيارتها كل مرة، حيث كنت أستمتع بنكهة البن التي أدمنها وأستفيد من العلم والمعرفة اللتين تملآن جوانب روحه وقلبه، لكن وجدي لم يحضر في الموعد المحدد كعادته، عذرته يومها بسبب ارتباطه بتصوير برنامج تلفزيوني مسجل فقد ظل هاتفه مقفلا طيلة تلك الليلة.
الثاني عشر من فبراير 2010م: كنت أتناول القهوة وأتصفح الإنترنت في بهو أحد الفنادق مع زوجتي بإحدى الدول العربية حيث كنت أقضي أول أيام شهر العسل، حينها تداول أعضاء مجموعته على فيس بوك خبر إصابة وجدي بوعكة صحية شديدة أدخل على إثرها المستشفى وطلب ناشر الخبر الدعاء له مع التنويه بأنه ممنوع من تلقي أي اتصال لحالته الحرجة.
لم يكن الوقت ولا الأجواء المحيطة بي مناسبتان لأتلقى مثل هذا الخبر خاصة أني أعلم سابقاً بأن وجدي يعيش منذ ما يقارب سنتين أزمة صحية، لا يعلم عنها سواي وصديقنا المقرب صبري، حيث كان يشكو من ورم بالرأس وفضل الأطباء عدم التدخل الجراحي لحساسية المنطقة ولصغر حجم الورم، حاولت أن أطمئن عليه بأي طريقة فتواصلت مع صديقه مكي الذي أكد لي ما كنت أخشاه ولا أتمناه، نعم وجدي أقرب الناس لأنفاسي وروحي وعقلي أصيب بسرطان المخ ... ياه لتلك اللحظة، فما أقسى أن أتألم دون أن يشعر بي أحد ... وما أصعب أن أبتسم وفي عيني دمعة تقتلني.
بعد هذا الخبر بعدة أشهر وبعد أن غادر وجدي المستشفى وعدت أنا للسعودية سمح لي بالتواصل معه هاتفياً ... كان كما عهدته بشوشاً مرحاً محباً للخير والبذل والعطاء، ذو طاقة ونشاط وحيوية، لم يغيره المرض عما عرفته عليه، حاولنا أنا وصبري باتصالاتنا إقناعه بأن يرتاح من هموم العمل المتراكمة، ويخفف من التواصل الجماهيري على الإنترنت ويتفرغ لجلسات العلاج الكيميائي التي أقرها له الطبيب المختص والمعالج لحالته الصحية، لكنه رفض ... نعم رفض الراحة والتخفيف والعلاج رفضاً قاطعاً فهو مؤمن بأن كل ما حدث له وسوف يحدث لاحقاً بسبب "عين" وبقدر الله سبحانه وتعالى ولا راد لقضاء الله وقدره.
منتصف العام الميلادي الماضي تقريباً تلقيت اتصالا من صبري وسألني عن آخر مرة هاتفت بها وجدي، حينها شعرت بألم يعتصر قلبي وأحسست بأن هذه المكالمة قد تحمل خبراً لم أستعد له، أخبرته أنها منذ زمن، وحاولت أن أستدرجه بالكلام لعلي أتلقى الصدمة بشكل أهدأ، كانت البشارة بأن وجدي شافاه وعافاه الله تماماً من مرضه بشهادة الطبيب وبعد تحاليل وأشعة قاطعة للشك .. باليقين.
نعم استطاع هذا الملهم علاج نفسه في خطوات بسيطة، فقد كان مؤمنا بالقضاء والقدر وهذه أحد أركان الإسلام، وهيأ نفسه لحالته الصحية التي مر بها عبر الاسترخاء والتأمل في البلاء والأجر المكتسب من الصبر على الألم، مع هدوئه وإيمانه بأن لكل مرض علاجا قناعة بقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- 
(تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد، الهرم)، وصبره على البلاء إيماناً بقوله تعالى 
(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) وفي آية أخرى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أضف لذلك دور التعاون العائلي الذي كان سببا مهما جداً لتهيئة نفسية وجدي الذي عاد بالنفع على سرعة العلاج، كما أنه خط لنفسه خطة في طريقة غذائه التي اعتمدت على العسل والفواكه وتمر العجوة، إضافة إلى محافظته على جلسات العلاج بقراءة القرآن الكريم.
العشرون من فبراير 2012م: كان لابد لوجدي أن يطبق قناعاته وإيمانه بوجوب نقل العلم والمعرفة منه إلى غيره، فقرر وبعد إلحاح مني نقل تجربته للناس فقدم للجمهور يومها دورة "تخطي مرض السرطان" والتي اعتمدها المركز العالمي الكندي GCC لاحقاً، وكان حقاً يومها مدربا مختلفا تماماً عن بقية مدربي تطوير الذات فيما يقدمه في مضامين دورته.
هذه باختصار قصتي مع وجدي محمد خياط أسطورة الألم ورواية الأمل، قصة أربع سنوات في رحلة علاجه من مرض سرطان المخ والتي تجاوزها بكل قوة وثقة، تعلمت من وجدي قوة الأمل في الله سبحانه وتعالى، تعلمت منه أن الأطباء بشر يصيبون ويخطئون مهما كانت نتائج تحليلاتهم، تعلمت منه أن أعيش يومي وأصنع ذكرياتي فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، فهنيئاً لنا جميعاً بوجدي وهنيئا لأريج الطويل بمثله.
الكاتب /عبدالله العقلا
@al3gla

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني مروركم وتعليقاتكم الرائعه