السبت، 10 أغسطس 2013

أجمل رحلة عذاب


أجمل رحلة عذاب ،مكانها قطاع غزة المحاصر عنوانها معبر رفح البري .
قد يستغرب القاريء للإسم الغريب وهي أنها أجمل رحلة عذاب نعم هي كذلك لأنها ليست الأولي ونتمني أن تكون الأخيرة وهي جميلة لأنها لأسابيع أو شهور قليلة فيها من العذاب ما لا يستطيع تحملة أحد من أفراد شعوب العالم .
حكايتي هي منذ زمن منذ عدة أعوام مع مرض أنا وهو في صراع رهيب وهو مرض السرطان الخبيث ،في هذة الأيام منذ شهر ونصف وأنا أوقف العلاج اليومي من الألتروكسين لمدة 21 يوما وهو بالأمر الطبيعي من أجل إجراء ما يلزم من الفحوصات والتحاليل من المسح الذري للجسم بالكامل وأخذ جرعة العلاج من اليود المشع وهي ممنوع دخولها إلي قطاع غزة بفعل الإحتلال الإسرائيلي وبفعل حصار غزة مما يجعلني أبحث هنا وهناك عن تلك الفحوصات والتحاليل وجرعة العلاج في أي مكان بالعالم ولكن الظروف الإقتصادية تجعلني أبحث عن ذلك العلاج في دول الجوار في جمهورية مصر العربية الشقيقة .

تبدأ الرحلة بتحديد موعد السفر كمواطن فلسطيني يريد السفر للعلاج وكان قد تقرر موعد السفر بعد إنهاء مدة توقيف العلاج اليومي وكان ذلك في تاريخ 19/6/2011م  في ذلك اليوم توجهت إلي المعبر وأنا مستعد للسفر ولكني لم أتمكن من ذلك فهناك الآلاف يريدون السفر ولكل واحد أعذاره وظروفه فعدت أدراجي وفي اليوم التالي عدت من جديد على أمل دخول المعبر والسفر ولكن العمل كان كالتالي وهو أن هناك آلاف متراكمة بأثر رجعي يريدون السفر فكنا في تاريخ 20/6/2001م والمسافرين تقريبا هم ممن كانوا قد سجلوا بتاريخ 5/6/2011م  وهذا يؤلمني كثيرا فأنا مرتبط بتوقيف العلاج اليومي وقد أصبحت في دائرة الخطر نتيجة تجاوز الحد المسموح به وتحدثت مع من هم موجودين في صالة تجهيز المسافرين فكان الجواب عذرا سيدي هناك الكثير مثلك من المرضي يريدون السفر ولست وحدك وما عليك إلا أن تنتظر.

بعد بضعة أيام قالوا أنة تخصص يوم لأصحاب الإقامات التي أوشكت علي الإنتهاء ولحملة  جوازات السفر الأجنبية ،فكانت زوجة أخي منهم فذهبنا إلي المعبر على أمل السفر والعبور ولكننا لم نتمكن من ذلك ولم يسافر أي من حملة الجوازات الأجنبية وعدنا أدراجنا من جديد للبيت منهكين متعبين والألم في كل يوم يزداد والخطر يحيط بي من كل مكان فالجسد يصارع يريد هرمون الألتروكسين وأنا أقول في قرارة نفسي إصبر فقد غدا تستطيع السفر،قد يقول البعض منكم لماذا لا أستمر على العلاج وعندما أتمكن من السفر ودخول مصر أوقف العلاج؟الجواب هو يا سيدي إن أردت فعل ذلك فلن أستطيع تحمل نفقات 3أسابيع قبل البدء في إجراء الفحوصات والتحاليل فالحياة مكلفة كثيرا وتحتاج مصروفات كثيرة مثل إيجار بيت ومصروفات ومواصلات لا تقل عن 5000جنية وهي ليست بالقليلة لا أستطيع توفيرها لذلك أريد أن أدخل جمهورية مصر العربية وأنا جاهز لإجراء تلك الفحوصات وأخذ العلاج دون تأخير.

وأعود أدراجي هكذا في كل يوم على أمل العبور والسفر حتى قالوا في إعلانات موقع وزارة الداخلية وهيئة المعابر والحدود أن هناك آلية جديدة للعمل وأنة ثم فتح مكتبين للتسجيل وهناك حق أولوية للمرضى والحالات الإنسانية مكتب في غزة لتسجيل محافظات شمال الوطن ومكتب بجوار مديرية التربية والتعليم في خانيونس لتسجيل المسافرين من المحافظة الوسطي والمحافظات الجنوبية لقطاع غزة.

فرحت بذلك كثيرا وذهبت في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر مباشرة وجلست أنتظر بدء العمل في الثامنة والنصف وكان هذا هو اليوم الأول للعمل في مكتب تسجيل المسافرين بتاريخ 26/6/2011م وعندما تحدثت مع الموظف قال :الحالات المرضية والإنسانية تنتظر بعد الساعة 12ظهرا للتعامل معهم فإنتظرنا وفي تمام الساعة 12 كان هناك ظغط كبير على شبكة التسجيل فطلب منا الذهاب والعودة في اليوم التالي في 27/6فعدت في اليوم التالي باكرا وجلست لأكثر من أربع ساعات وأنا أحاول الوصول للموظف والتحدث معه ولكن الحشود كبيرة جدا الكل يريد السفر والكل في إعتقاده أنه حالة إنسانية فمنهم من تأخر عن موعد دراسته ومنهم من تأخر عن موعد تذكرة الطيران ومنهم من إقترب موعد إنتهاء إقامته ومنهم من يريد السفر والعلاج والأعداد بالآلاف وأخيرا إستطعت بلوغ موظف التسجيل وعند مشاهدة التقارير الطبية وشرح الحالة منحني موعد قريب بعد 3 أيام من الحديث معه وكان موعد سفري في 30/6/2011م فقلت الحمد والشكر لله  أخيرا سأتمكن من السفر والعلاج وإستعددت للسفر في هذا اليوم وذهبت أنا ومن معي إلى المعبر وجلسنا في الصالة الخارجية لإعداد المسافرين،وعند البدء بالعمل هههههههه تفاجأنا كثيرا فيقول الموظف أن العمل اليوم هو كالتالي سيسافر المرجعين من يوم أمس بالإضافة إلي بقية كشوفات تحمل أسماء مسافرين من اليوم السابق وهو كشف يوم 29/6/2011م وإن بقي مجال للعمل سنأخذ جزء من كشف المسافرين ليوم 30/6 /2011م فإنتظرنا طويلا وعلي أعصابنا وعندما وصل للكشوفات التي نحن مسجلون عليها قال سنأخذ أول مائة إسم من الكشف والباقي عليه المغادرة فكنت أنا ممن سوف يسافر فكنت من أول 40 إسم بهذا الكشف ففرحت من جديد وقلت قد فرجت وسوف أسافر اليوم إنشاءالله وتجهزنا للسفر وركبنا الحافلات ودخلنا أول بوابة بالمعبر الفلسطيني وهي البوابة الرئيسية وإنتظرنا بجوارها لأكثر من ساعتين حتى يسمحوا لنا بالدخول إلي صالة المسافرين وختم جواز السفر ولقد تم ذلك وبقينا في داخل الصالة لساعتين إضافيتين حتى ركبنا الحافلة من جديد في تمام الساعة 4عصرا وتوجهنا إلي البوابة الحدودية للجانب المصري الشقيق وجلسنا ننتظر لساعات حتى بلغت الساعة السابعة في وقت المغرب ونحن نشاهد رجال الأمن المصري أمامنا مباشرة وننتظر إشارة السماح لنا بدخول الجانب المصري ولكن للأسف في تمام الساعة السابعة حضر ضابطا مصريا وقال لقد إنتهينا من العمل اليوم وعليكم العودة فعدنا جميعا وأتحداك أن تجد بسمة واحدة علي شفاة أي من المسافرين في حافلتنا وإنما تشاهد دموع نساء ورجال علي حد السواء من القهر واليأس لمسافر يحاول السفر منذ أسابيع وليس في أيدينا حيلة فعدنا ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي القدير العظيم .

ذلك كان يوم الخميس وكان عدد الذين سافروا في ذلك اليوم لا يتجاوز 400مسافر وقد اغلق المعبر بذلك في اليوم التالي يوم الجمعة هو يوم إجازة لا يعمل كلا الجانبين الفلسطيني والمصري وما علينا إلا الإنتظار فقد أبلغونا الحضور يوم السبت الموافق 2/7/2011م ولا نعلم إذا كنا سنتمكن من السفر والعبور للأراضي المصرية أو لا كل هذه الأيام ودائرة الخطر تتسع وتزداد والجسد منهك ومتعب من الذهاب والإياب للمعبر في كل يوم علي أمل السفر والنفقات تزداد في كل يوم والألم يزداد والعذاب كثيرا وهذا هو حالنا في فلسطين في قطاع غزة حصار خانق معابر مثل غرفة الإنعاش في مستشفي كبير يريدون إستمرار الحصار علي مليون ونصف المليون من المدنيين ولكن دون الموت أو بتطبيق سياسة الموت البطيء ذلك العالم الظالم المجحف بحق أطفال ونساء وشيوخ ومرضي شعب فلسطين فلا قانون ولا ضمير ولا أخلاق ولا مبادئ تنادون بها أيها العالم يسمح لكم بذلك ولكن التاريخ سيحاسبكم علي ذلك وإننا صامدون مهما فعلت أيها المحتل وسنبني من آهاتنا وآلامنا ومن أجسادنا جسور للحرية تعبر عليها أجيال فلسطينية لاحقة وهي ليست ببعيدة فالنصر بإذنه تعالي قادم فأسواط جلاديكم وأعوانكم من الأمريكان لن تحميكم كثيرا فنحن أصحاب الحق وأنتم المحتلين وما على المحتل إلا الرحيل فبآلامنا سنعد إليكم مركب كبير كي تبحروا بعيدا وتعودا من حيث أتيتم ففلسطين حق تاريخي لشعبها وليست لمحتليها ،إنها رحلة عذاب ولكنها جميلة لأنها تبشرنا بالنصر القريب من الله عز وجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني مروركم وتعليقاتكم الرائعه