الأحد، 15 يوليو 2012

رجال بلا مبادئ «الفلوس غيّرتهم»!

 
من الطبيعي أن تتغيّر ظواهر المجتمع ومظاهره، أما أن تتغيّر الأنفس لدرجة إنكار الآخرين وجحودهم، فهذا تغيّر يجر خلفه عدة تساؤلات تحتاج إلى وقفات وإضاءات، فمثلما أن الأنفُس تُبتلى بأنواع البلاء فكذلك "النعمة" تكون بلاءً عند البعض عندما تبتعد بهم عن معاني الإنسانية، وجمال التكافل والتودد، إلى القطيعة والنكران والانغماس في اللذات بعيداً عن مكارم الأخلاق.
"الرياض" عبر هذا التحقيق تناقش المقولة السائدة اجتماعياً "الفلوس تغيّر النفوس"، ومدى ارتباطها بظواهر اجتماعية لأشخاص كانوا بُسطاء، وعندما أفاض الله عليهم رزقاً وجاهاً، تنكروا للمحيطين بهم، وربما لوالديهم وأبنائهم.
نكران جميل
بدأ حياته ببساطة كأي شاب يشق بداية الطريق، ارتبط بها بعد تخرجه من الجامعة بتفوق، حتى أحبته حد الخيال وهي من أسرة ثرية، لاحت له فرصة إكمال دراسته بالخارج فساندته وأعانته في الغربة حتى نال شهادة الماجستير، ولما جاءت العودة إلى الوطن، رغب في إكمال دراسة الدكتوراة، على الرغم من أنه لا يملك مالاً كافياً، وخشي أن يفوته أمر الترتيب للمستقبل، لكنها أيضاً ساندته مادياً، دون أن يعلم أهلها الذين يرسلون لها نصيبها من تجارتهم أولاً، ويظنون أن أختهم تجمع أموالها لصالحها، ولم يعرفوا أنها ترى زوجها هو ثروتها التي تستثمر في المشاعر الصادقة.
عادا إلى الوطن، وقد تزين اسمه بلقب "دكتور"، وتم تعيينه أستاذاً جامعياً، وساندته أكثر وأكثر، حتى استثمر في مشروعات أخرى بأموالها، بل إنها هي من دفعت ثمن أرض بناء منزل المستقبل، ومضت السنوات، وكان يشكرها، ويثني عليها بين أهلها، وزادت أشغاله وزاد انشغاله عنها وأولادها، بل ان تعامله الجيد مع أهلها بدأ يتعالى، ويشعر بالغرور تجاه أن يزورهم، وعلى الرغم من هذا لم تشتكِ إليه، ومرت السنوات وما ان وصل إلى منصب عالٍ في الجامعة، إلاّ وقد تزوج عليها.. وكانت صدمة؛ لأنها لم تقصر معه أبداً، ورضيت لأجل أولادها فقط، بينما غاب العدل عنه، بل ان زوجته الثانية ما فتئت تؤذيها هي وأولادها، ويتجاهل هو كافة شكاواهم متنكراً لها ولتضحياتها، وظل يعيش في برجه العاجي بين منصبه ومشروعاته وشهواته!. 
 كبّر وغرور
وأكد "جمعة الخياط" -باحث اجتماعي- أن بعض الأشخاص أنعم الله -عز وجل- عليهم بالمال، ولكنهم لم يُقدروا ما يمتلكون، وأصابهم التكبر والغرور بسبب أموالهم، فابتعدوا عن الآخرين، وقطعوا أرحامهم وأقرباءهم، وتجنبوا النفقة على الأقربين من ابنائهم، وحتى عن والديهم الذين لهم الأولوية، مستشهداً بقوله -صلى الله عليه وسلم-:"انت ومالكَ لأبيك"، مبيناً أن تلكَ الفئة من المجتمع أصابهم مرض بقلوبهم، وما فكروا بكيفية رضا الله عنهم، فضلاً عن أن يعرفوا حال الفقراء الجائعين المحتاجين إلى مساعدة.
وأوضح أن من بعض النماذج الفاسدة، أشخاص بخلاء يأخذون رواتب زوجاتهم ويتصرفون فيها دون حق، ولم يحسنوا تقدير وشكر الخالق، مضيفاً أن القرآن الكريم حثنا على العمل واكتساب المال الحلال، والنهي عن المال الحرام في قوله تعالى:"وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، مشيراً إلى أن ممتلك المال مطالب بحسن استخدامه، لذا فمن الواجب الحرص على امتلاكه والتصرف فيه بما يرضي الله.
حسن التصرف
وذكر "الخياط" أن المال نعمة لمن أحسن التصرف به، ونقمة لمن أساء التصرف، كما جاء في قوله تعالى:"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"، ناصحاً الممسكين اليد من العطاء أن يفكروا قليلاً بمن هم حولهم، فمثلما اعطاهم الله فهو قادر على سلبه إياهم، فلا يتصورون أنهم بمالهم قد اشتروا الناس، داعياً أولئك إلى العطاء وحمد نعمة المال، إلى جانب الصدقة؛ لتطهير الذنوب وتزكية الأنفس والعطاء بما ييسر طريق الجنة بإذن الله.
ثراء مفاجئ
وبيّنت "رويدة بنت محمد الصديقي" -محامية ومستشارة أسرية- أن "الفلوس" التي تأتي بشكل مفاجئ قد تعمل ردة فعل، بذات الشخصية التي تستمد تصرفاتها من المال، وكأن الشخص ارتدى ثوباً غير ملائم له، فتتغير نفسيته لأنه لا يكون مستعدا للثراء المفاجئ، وقد يصبح إنساناً سلبياً ومنعزلاً، ويتعرض لانتكاسات اجتماعية، مثل ابتعاد الناس عنه، وعدم اقترابهم منه، ما قد يؤدي به إلى أمراض نفسية قد يصُعب علاجها.
وأشارت إلى أن عبارة "الفلوس تغير النفوس" لم تأتِ من فراغ، إذ ان البعض عندما يصابون بتخمة مال؛ تتبدل أفكارهم وانطباعاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين، بل تُعمى بصيرتهم، معتقدة أن السبب يعود إلى الانتقال السريع ربما بدون تعب، فتصبح نظرة المجتمع قاسية، في حين أن المنتقلين بشكل تدريجي من الطبقة العادية إلى الثراء، لا يحدث لديهم أي تغيير اجتماعي، وزادهم الأمر انسجاماً أكثر مع أفراد المجتمع.
وقالت:"إن النفوس الكريمة الأصيلة لا تتغير بتغير الأحوال والأزمان، وتحفظ وفاءها لمن حولها، وتظل ثابتة على هذه المبادئ الأصيلة، بل قد يزيد تواضعها شكراً لله عز وجل على نعمه وآلائه، حتى وإن وصلت النفس إلى أعلى المناصب، أو بلغت ما بلغت من الأموال ما بلغت، وأما الزائف من النفوس، فما أن يتبوأ صاحبها منصباً، أو يصبح ذا مال وثروة، حتى يتعالى على الخلق، ويتكبر عليهم، ويتنكر لهم، فينسى ما مضى، حتى أصدقاءه وإخوانه، بل وأقاربه وأهله".
الكاتب / جمعة خياط



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني مروركم وتعليقاتكم الرائعه